قبل نحو اسبوعين دعيت إلى التحكيم في مسابقة المواهب بإحدى كليات المدينة. لقد لاحظت أن جميع المشاركين اُعطوا قصاصات من الورق مكتوب عليها موضوع ومطلوب منهم التقدم للتحدث عنه لمدة ثلاث دقائق. وكانت القرعة أجريت على نحو من سيكون أول المتحدثين فالتالي فالذي بعده... لاحظت أن المتسابق الأول كان ساخطا عند إعتلائه المنصة مواجها الآخرين.ـ
قال بصوت عالٍ:ـ "زملائي الطلاب، سادتي المحكمين .. احترامي" ، "هذه منافسة غير متوازنة!"ـ
نظرت و زملائي المحكمين بدهشة. أضاف:ـ "أعطيت هذه الورقة" ، وتابع "لأتحدث عن الموضوع ولم أمنح سوى بضع دقائق، في حين ان زملائي الذين سيأتون بعدي سيتاح لهم مزيد من الوقت للتفكر بما سيقولونه ، وهذا غير عادل!" *وشرع بترك المسرح وانسحب ثائرا من القاعة. لم يأبه به أحد ومضت المسابقة على نحو سلس.ـ
التقيته عند خروجي من المكان، ورافقني
سألته بإبتسامة : "من قال أن الحياة عادلة دائما؟" تطلع في وجهي مندهشا، وسألته أن يتمشى معي لسيارتي.. "الحياة" ، قلت له ، "هي قتال غير المنصف وغيرالعادل والثبات الى الفوز ! ألا تقرأ مجلات السيارات؟"ـ
"بلى" ، قال بلهفة ، "أفعل"
واصلت:"هل رأيت إحصاءات تظهر عندما يتم عرض السيارة الجديدة في السوق؟ يتحدثون عن السرعة وعزم الدوران ونقل الحركة والقوةالحصانيةأالخ.."ـ
هز رأسه أن "نعم" ،ـ
واضفت "لكن هناك خطا وضعوه بعد كل هذه الأرقام ، يقولون عن هذه البيانات عندما تكون هناك ظروف الطريق المثالي!"ـ
كرر : "نعم" ،ـ
سألته وأبتسم :"أرني أحوال الطرق المثالية؟" واصلت:"السيارة التي سوقها جيد ، هي السيارة التي ستثبت القوة والسرعة والمتانة في أسوأ الطرق ، في الحفر في الطين والوحل. هذه السيارة الفائزة!"ـ
كنا وصلنا سيارتي وكان واقفا الى جانبي عندما حشرت نفسي فيها. قلت مودعا:ـ "لا تنظر لظروف اللعب المثالي ،" .. " لا تألو جهدا في قتال الغش، وغيرالمنصف، ومحاربةالظلم، وغير العادل،والمجحف.. وأخرج فائزا!"..ـ
نظرت ثانية في مرآة الرؤية الخلفية وأنا أسوق سيارتي مبتعدا ورأيت الإبتسامة تعلو محياه ملوحا لي، وعندها أيقنت انه سيقاتل الجور من الآن فصاعدا ولن يكل..ـ
العبرة : إن المعركة لا تتوقف أبدا. إسأل جميع الناس الناجحين في أي مجال. تجدهم حاربوا بغض النظر عما إذا كانت المنازلة عادلة أو جائرة. أقلع عن إخبار العالم عن جور وظلم الصفقة التي جنيتها من الحياة ؛ إبدأ بقتال الغش والظلم ، واخرج منتصرا!ـ
* لطالما ناقشت إدارات المدارس عندما كان أولادي بالمدارس عن عدم نجاعة أسلوب الإختبارات الشفهية ـ دورية كانت أم فصلية أم نهائية - إذ ينادون من إسمه (أو إسمها) في المقدمة حسب الألفباء أولا، ويبقى المتأخرة اسماؤهم في الألفباء أخيرا! وما يتركه ذلك من اثر نفسي ،واقترحت لهم حلولا، دون جدوى..ولم يزل هذا الأسلوب قائما حسب ظني.. الحمد لله كنت في الوسط نسبيا عندما كنت تلميذا فأسمي يبدأ (ع)! وهناك ناحية أخرى قريبة من الصدد: كيف نجري إمتحانا للغة منطوقة كله تحريريا؟ العذر : كم لجانا نحتاج؟ وفي البكالوريا كيف؟ إذن لننخفض بمستويات تعليمنا اللغات ، أي أن الغاية لن تحقق! وهكذا تخرج لنا أجيال يتعاملون مع اللغات ـ حتى العربية لغتهم ـ كما الرياضيات والفيزياء والتاريخ والجغرافيا والإقتصاد!! حلو؟ـ