
سهى عوده
منذ أربع إلى خمس سنوات وموضوع التعداد السكاني العراقي بين مد وجزر حاله كحال اغلب المسائل العراقية العالقة بين خلافات السياسيين والائتلافات الحزبية والأوضاع الأمنية للبلد إلا أن أمر الإحصاء السكاني بات أمر لابد منه خاصة بعد تأجيله لأكثر من مرة بعد عراق 2003 وهو لم يتم أجراءه في العراق منذ عام 1997 والذي اقتصر على 15 محافظة واستثنى منها محافظات إقليم كوردستان وكانت نتيجة الإحصاء هو 19 مليون نسمة وابرز مابينه ذلك التعداد هو زيادة عدد الإناث مقارنة بعدد الذكور وقد أعتبره البعض انه لم يقم على أساس طائفي حيث لم يتضمن السؤال عن المذهب لكونه لم يظهر مقارنة الأعداد بين مختلف الطوائف والقوميات في العراق .
متعارف دوليا" أجراء المسح السكاني كل (10) سنوات ليتم على أساسها دراسة حاجات المجتمع ونموها أقتصاديا" واجتماعيا" وثقافيا" وسياسيا", لكن المخاوف مستمرة من أعادة تجربة التعداد في العراق بسبب الصراعات السياسية وقد يراها البعض هي فعلا مخاوف تستحق التسمية, فبات الأمر بين شد وجذب بين ثلاثة أضلاع..كردي يرغب بالتعداد بشدة ,شيعي ليبرالي صامت وسني معارض يرفضه بصوت عال بعد أن تم تأجيله عدة مرات متعللين بالتداخلات الإدارية بين أقضية محافظة نينوى والمحكومة من قبل حكومة الإقليم الكوردي وكذلك التداخلات بين خانقين وسليمانية وكذلك الحال لمحافظة صلاح الدين, ويرى المعارضون أن رغبة الأكراد للتعداد ناتج عن معرفتهم الكامنة بعد تكريد مدينة كركوك بعد 2003 مما أدى إلى تغيير البنية السكانية في المدينة لصالحهم بعد أن سبقهم النظام السابق بتعريبها, أضف الى ذلك الهجرة الداخلية التي حدثت في العراق حيث لجأ اغلب العراقيين المسيحين بل واغلب الكوادر الطبية والهندسية وذوي الاختصاص الى مناطق الإقليم الشمالي العراقي وهذا جزما" يراه البعض يصب في مصلحة الكورد, ولاننسى الهجرة الخارجية و مغادرة شيعة العراق الى ايران أعقاب عام 1990 فهؤلاء لم يحتسبوا في تعداد 1997 ولم يدخلوا في حسبة البطاقة التموينية ولو أننا وافقنا على كل ماسبق مابين مؤيد ورافض فأننا نستنتج من ذلك أن قضية التعداد السكاني بات أمر مرهون به المحاصصات الحكومية والحصص النفطية بل وتتراود شكوك البعض الأخر أن يكون أمر التعداد هو بداية نهاية تقسيم للعراق طائفيا" خاصة أن ألاستمارة المعدة للتعداد تحوي خانة الاستبيان عن القومية والتي طالبت بها جهات تركمانية وعربية في كركوك برفعها وهو أمر رفضته الامانة العامة لمجلس الوزراء بأعتباره فقرة قانونية لايمكن التلاعب بها .
مع اننا لو تعمقنا في البحث عن التعدادات التي جرت بمختلف مراحل النمو المجتمعي العراقي لوجدنا تعدادات مختلفة وأرقام متباينة فأحصاء عام 1920 بين أعداد السكان وقسمهم حسب الديانات والطوائف بنسب مئوية مابين عرب سنة وشيعة ومسيحيين ويهود وديانات أخرى ( الايزيدية والصابئة و....
وتلاها تعداد عام 47 وكان الإحصاء أيضا على نفس المنوال وجاءت النتائج أيضا مبينة التوزيع الديني الاثني في العراق, لكن الواضح أن الاختلاف بين الأمس واليوم هي النوايا السياسية المستجدة .
لم كل هذا التخوف من معرفة أعداد الطوائف والقوميات في المجتمع العراقي التباين بالاديان والطوائف والقوميات امر معروف في اغلب بلدان العالم وبلد مثل العراق تشكل نسيجه الاجتماعي من الاختلاط والتزاوج والهجرة عبر ومن الصحراء والدول المجاورة عبر سبعة الاف سنة لذلك هم ينتمون لاجناس مختلفة فتجد فيهم الاختلاف بلون البشرة وهذا امر وارد جدا وطبيعي اكثر بل أن ابرزحقوق المواطنة ان يُعرَف أعداد مكونات هذا التلاحم الاجتماعي بأصدق صورة بعيدا عن كل مايشوه حقيقة مكونات المجتمع العراقي انا اقول ذلك ولايهمني القوانين وأرقامها ولااصطف بجانب من يشجع المادة 40 ممن يرفض الغاء حذف خانة الاستبيان عن القومية ممن يؤيدها او من يصر على تنفيذ المادة 140 بما فيها من تأكيد على اجراء الاحصاء في كركوك والمناطق المتنازع عليها وهذا ديدن الاقليم الكوردي كما يراه الاغلب ممن يعارض ذلك الامر.
مع اني عزمت عند كتابتي لهذا المقال ان لااتعامل بأي شكل من الاشكال مع الارقام المبينة للنسمات السكانية للتعدادت التي حدثت في العراق ومنذ القرن الماضي لان ذلك بات واضحا" من خلال عشرات المقالات التي كتبت من قبل عن هذا الموضوع الا انني اجد نفسي اضطر لذكر بعض الارقام المهمة كما ذكرت اعلاه وربما سأذكره بعد قليل .
أن كان الغاية من أمر أجراء الإحصاء الداخلي معرقل ولغاية قضايا المحاصصات السياسية بين الأحزاب والقوميات فكيف إذا بإجراء التعداد للعراقين بالمهجر خاصة أن هؤلاء ليس لهم أعداد وأوليات واضحة في الأمم المتحدة, أضف الى الدور الضعيف للسفارات العراقية وهذا أمر لانعرف له سبب محدد او يدخل فيه حسابات وأمور كثيرة تصب في مصلحة جهات معينة قد تكون السفارات نفسها وكثيرة هي الفضائح التي أخذت تنهش بوجه حق السفارات العراقية في الفترة الأخيرة.
ومع تزايد أعداد ممن هجروا العراق واتخذوا المنفى أوطانا ينتمون لها فأصبح الانتماء والوطنية للبلد الجديد مع بقاء الانتماء القديم أو لابقاء فذلك أمر بات لايهم خاصة أن الوطنية باتت شحيحة عند الفرد العراقي الداخلي وهذا أمر طبيعي جدا لما يتعرض له المواطن من ضيق العيش وقلة المؤن بل وغياب السيادة لدولته على مستوى الدول الأخرى وبألاخص المجاورة التي تنتهك حرمات أرضه متى شاءت في ظل صمت حكومي إقليمي ومركزي, جل ماتوضحه لنا هجرة مواطني البلد هو هدر الطاقات البشرية لذوي الاختصاص والعقول والأيدي العاملة العراقية التي باتت دول العالم تعج بهم بعد أن تناثروا في شتى البلدان, خذ مثلا الصحة الوطنية البريطانية (NHS) تحوي 20000 طبيب عراقي بينهم (7900) أخصائي هذه أعداد جبارة وكفاءات عراقية مهدورة يبقى التساؤل ماذا لو ترك الاطباء العراقيون المؤسسة البريطانية؟؟؟
في بحثي المتواصل عن موضوع التعداد السكاني وجدت موقعا الكترونيا أسسه شباب عراقي تحت اسم (موقع شباب العراق للإحصاء والمسح) لاتتعدى أعداد القائمين عليه العشرة شباب بين الجنسين, شباب يعيش في دول أوربا وكندا والخليج العربي اتخذ هؤلاء مهمة احصاء العراقيين بالخارج شغلهم الشاغل والموقع يحاكي الجاليات العراقية في شتى بلدان العالم من خلال مايقدمه- أبواب اجتماعية وعلمية وترفيهية- إلا أن همه الرئيسي هو التسجيل في الاحصاء بغية الوصول للعدد الحقيقي او التقريبي للعراقين في الخارج, ومع تزايد الهجرة الخارجية وتردي الاوضاع الامنية والحروب فقد وجد هؤلاء الشباب ان لاوجود لأرقام حقيقية ملموسة لإعداد العراقين في الخارج في منظمات الأمم المتحدة فأخذوا على عاتقهم أمر الاحصاء وهذا الاحصاء الالكتروني جل مايتطلبه منك أن كنت عراقي بعد دخولك للموقع هو تسجيل اسمك ودولتك التي تعيش فيها وقد سجل الموقع منذ تشكيله في سبتمبر 2010 (4523) عراقيا" في معظم دول العالم...
ومثل هذه المواقع قد يلقى الرفض من البعض أو قد يعتبرها البعض غير كافية لتسجيل نسبة عالية وبأصح المعلومات ويبقى الاختلاف هل أن العراقي هو من ترك العراق وهاجر أم كل مواطن يحمل الجنسية العراقية أو...أو.. وخاصة انها مواقع ليس لها دعم من جهة معينة- ماليا" أو اعلاميا"- فهي مواقع يشكلها أشخاص وينفقون عليها من حسابهم الخاص وجهودهم الخاصة كما ذكر لي احد اصحاب الموقع, لكن يأتي شخص فيقول هل مثل هذه المواقع تقام فقط لأشفاء غليل بعض الشباب العراقي ممن رأوا تقصير في المساعي الحكومية بحق الشعب حاله حال اغلب المواقع التي تنتقد عمل الحكومة وأن الأعداد المسجلة لاتؤخذ بنظر الاعتبار وهل يكفي إقامة موقع مثل هذا لاحصاء أعداد العراقيين, لكن بالرغم من كل هذا هم مشكورين لجهودهم المبذولة ومبادرتهم التي لم يسبقهم بمثلها احد وأمانيهم للتمكن من أحصاء طيور العراق المهاجرة .
تبقى التساؤلات قائمة هل سيتم التعداد السكاني بتأثير دعوة خارجية فتأتي تنفيذا" لرغبات قوى سياسية مراعاة لمصالحها وهل سيتم استغلال أمر التعداد بداية لتنفيذ مشروع التقسيم كما جاء على لسان من رفض أمر الإحصاء السكاني, فكما بات واضح أن قضايانا في المجتمع العراقي وعلى جميع الأصعدة باتت تتأثر تأثيرا" بالغا" بشكل نظام الحكم في البلد سواء كان قبليا" او طائفيا" مع أن التعداد أصبح أمرا" لابد منه ليكون بوابة العراق لحلم الاستقرار...