جاسم الشمري- العراق
نفيت واستوطن الأغراب في بلدي ودمروا كل أشيائي الحبيباتِ
قصيدة مغناة ومعروفة للشاعر العراقي حسن المرواني، وهناك من يقول إنها للحاج حامد الشمري، وعلى أي حال هذه القصيدة رائعة من حيث اختيار الكلمات، والموسيقى الراقية التي تتطاير من بين سطورها ملايين العبارات المليئة بالشوق والحنين للوطن.
والوطن ليس تلك البقعة من الأرض التي ولدنا عليها، وعشنا فيها، فحسب، بل هو الحياة والأم والأهل والذكريات وأصدقاء الطفولة، وأيام الصبا، الوطن هو التاريخ والدفء والرقة والمحبة.
والحياة تتقلب بالإنسان بين الأمن والخوف، والراحة والتعب، وهذا ما حصل للعراقيين، حيث إنهم في لحظة من زمن التآمر، وفي ليلة موحشة فقدوا الطمأنينة والأمان، وعبثت قوات الاحتلال -ومعها أذرعها الضاربة من المليشيات الإجرامية الحكومية وغيرها- بأرواحهم، ما اضطرهم الحال المأساوي الجديد للفرار بأنفسهم وعوائلهم تاركين وراءهم بلادهم المغتصبة.
التقديرات التقريبية لأعداد اللاجئين في داخل العراق وخارجه، فإنها وفق ما أعلنته الأمم المتحدة في العراق تشكل 15في المئة من عدد سكان البلاد، الذين يقدر عددهم بـ(30) مليون نسمة، أي أربعة ملايين ونصف مشرد ومهجر تقريباً، فيما بَين مسؤول في وزارة الهجرة "العراقية" أن هنالك في الداخل مليونا و(600) ألف نسمة هم من المهجرين، والغريب أن الحكومة، وبحسب ما ذكر المسؤول في وزارة المهجرين لا تعرف أعداد المهجرين في الخارج؟!!. وبالمحصلة النهائية وجد الناس أنفسهم في لحظة من الزمن في عداد اللاجئين، وبهذه الورقة الأممية (ورقة اللجوء) تناثر العراقيون في أرجاء المعمورة تحت عنوان (لاجئون)؟!! واللاجئون كغيرهم من أهل الأرض وجدوا منْ يجاملهم على حساب جراحاتهم العميقة، ومن ضمن هذه المجاملات، حددوا لهم يوماً سنوياً أسموه يوم اللاجئ العالمي، ويُحتفل به في (20) حزيران/ يونيو من كل عام، حيث يخصص لاستعراض هموم وقضايا ومشاكل اللاجئين، والأشخاص الذين تتعرض حياتهم في أوطانهم للتهديد، وتسليط الضوء على معاناة هؤلاء، وبحث سبل تقديم المزيد من العون لهم، وذلك برعاية من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR).
واللاجئ العراقي، سواء في الدول العربية التي قدمت ما تستطيع لرعايتهم، أو في الدول الأجنبية التي تآمرت على العراقيين ثم "تكرمت" على البعض منهم؛ بإعطائهم صفة "لاجئ"، هؤلاء اللاجئون يعيشون اليوم في ظروف إنسانية، عسيرة جداً، يظن البعض أنهم في نعيم بينما حقيقة الأمر أنهم يعانون الأمرين.
الحديث عن معاناة اللاجئين حديث ذو شجون، ولن أتكلم هنا عن الحنين إلى الوطن والشوق للأهل والأحبة؛ لأن هذه المسألة مفروغ منها، والحديث عنها، لا يأتي بجديد، وإنما سأتكلم عن بعض المشاكل التي يعانون منها، وحينما نتابع هذه المشاكل نجدها تختلف من مكان إلى آخر، هذه العوائل تعاني من أزمة نفاد مدخراتها التي جلبتها معها من العراق بعد أن باعت كل ما تملك من اجل الفرار بحياتها، وهم يعانون من إهمال أغلب المنظمات الدولية والمحلية، وكذلك الإهمال المتعمد من قبل الحكومات العراقية المتتالية، حيث لم تقدم هذه الحكومات يد العون لهم على الرغم من الميزانية الهائلة التي تمتلكها هذه الحكومات.
ومن ضمن هذه المشاكل مسألة العلاج، وخصوصاً لذوي الأمراض المزمنة، حيث إن العلاج باهظ الثمن، ما اضطر مئات العوائل لطلب اللجوء من اجل توفير الدواء اللازم، وكذلك هو الحال مع التعليم العالي في الجامعات والكليات التي تتميز بارتفاع أجورها الدراسية في عموم البلدان التي يستقر فيها العراقيون.
مشاكل يومية تعتصر القلوب والنفوس، بينما يتمتع ساسة العراق الجديد بميزانية تعادل ميزانية العديد من الدول في المنطقة، وهم لا همّ لهم إلا ملذاتهم الشخصية السفلية.
مهما باعدت المسافة بين الوطن والعراقيين، إلا أنهم سيعودون في لحظة من الزمن إلى حضن بغداد، بعد أن تنعم البلاد بقادة يعرفون قيمة الوطن ورجاله، ويعملون على توفير كافة مستلزمات عودة اللاجئين، وحتى هذه اللحظة لم نر مثل هذه القيادات التي تعرف أنها مسؤولة عن الشعب، سواء من كان منهم في الداخل، أو الخارج؟
[email protected]