أخيراً فان التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2011، ضم ثلاثة بلدان عربية بين البلدان العشرة "الأكثر فساداً" في العالم وهي الصومال والعراق والسودان، في حين اعتبر التقرير قطر والإمارات وعُمان الأقل فساداً بين الدول العربية، كما أظهر التقرير أن الصومال احتلت المركز الأول في الدول الأكثر فساداً تلته أفغانستان وميانمار ثم العراق والسودان وتركمانيا وأوزبكستان وتشاد وبوروندي وأنغولا.
--------------------------------------------------------------------------
العالم اليوم لم يعد يتأثر بالكلام الإنشائي البعيد عن لغة الأرقام، بل صارت الأرقام هي المؤثر الأكبر في دنيا السياسة وفي جهد التقارير الدولية والإقليمية، وعليه حاولت أن اجمع هذا القدر من الأرقام عن حال العراق بعد عام 2003، وركزت في هذا التقرير على التقارير التي نشرت عام 2011، فقط، واستكمالا لموضوع العراق الجديد بالأرقام اذكر الحقائق الآتية:-
وثائق مزورة
بعد أن تحدثنا عن الشهادات المزورة في الجزء الأول، كشف مكتب ما يسمى المفتش العام في وزارة الداخلية الحالية في تقريره السنوي، في يوم 3/3/2011 النقاب عن (741) وثيقة دراسية مزورة يحملها منتسبوا الوزارة، وكذلك إيقاف إبرام خمسة عقود مخالفة تزيد قيمتها الإجمالية على(55) مليار دينار، وان الوثائق المزورة تعود لـ(136) ضابطا برتب مختلفة، وأكثر من (102)منتسباً، و(59) من طلبة هيئة التدريب والتأهيل و(15) موظفا مدنيا، إضافة إلى ورود أكثر من(329) اسما من وزارة التربية الحالية، دون أن يكشف أسماء وهويات المزورين.
التزوير لم يتوقف عند الوثائق المزورة بل وصل إلى عقود أبرمتها الوزارة، حيث إن المكتب قام بتدقيق 62 عقدا أبرمتها تشكيلات وزارة الداخلية مع عدد من الشركات المحلية والأجنبية تم خلالها تأشير ملاحظات مهمة في تنفيذها، وأن 57 عقدا تمت معالجتها، فيما تم وقف إبرام خمسة عقود تبلغ قيمتها الإجمالية (55) مليارا و (668) مليونا و (643) ألف دينار.
وأشار التقرير المؤلف من 243 صفحة، إلى أن مكتب المفتش العام تمكن، من استعادة (123)مليونا و (172) ألف دينار إلى الخزينة العامة، وأوصى باسترجاع (255) مليارا و (701)مليون و (227) ألف دينار.. موضحا أن المبالغ التي تمت إعادتها والموصى باسترجاعها إلى الخزينة تمثلت بفروقات مبالغ تم صرفها إلى عدد من ضباط ومنتسبي الوزارة خلافا للضوابط، وفروقات مالية في عمليات الشراء والتجهيز من قبل الشركات والمقاولين، إضافة إلى عدم استقطاع رواتب المنتسبين المتغيبين عن الدوام الرسمي في دوائرهم.
وفي مجال حقوق الإنسان، أكد التقرير أن مكتب المفتش قام بـ (898) زيارة إلى مراكز الاعتقال والاحتجاز التابعة للوزارة في العاصمة بغداد والمحافظات، سجل خلالها ( 58 ) حالة انتهاك .. موضحا أن حالات الانتهاك تضمنت (49) حالة تعذيب وابتزاز ومساومة وتأخير إجراءات تحقيقية لمئات من المعتقلين
وأشار إلى أن المكتب رصد خلال الزيارات الميدانية للسجون والمعتقلات الحكومية العديد من المخالفات، بينها عدم تأمين الأدوية أو زيارة المفارز الطبية للمعتقلين الذين تكتظ بهم السجون، وسوء انتظام جدول التشميس ووجبات الطعام، إضافة إلى عدم توفير أجهزة التبريد والتهوية الصحية والإنارة، كما تلقى المكتب (138) شكوى تتعلق بمصير أشخاص مفقودين و (43)شكوى بمصير أشخاص معتقلين.
الحريات الصحفية
وفي يوم 09-03-2011 كشف مرصد الحريات الصحفية في العراق أن أكثر من (150)انتهاكا ضد صحفيين ومؤسسات إعلامية سجلت ، وأنه سجل حالات عديدة للانتهاكات ضد المؤسسات الإعلامية والصحفيين تبين بشكل صريح غياباً لسيادة القانون وعدم احترام السلطات الأمنية للدستور العراقي والمواثيق الدولية بما فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وتابع المرصد في بيانه" إن الأمر لم يقتصر على بغداد فحسب إذ أغلقت القوات العسكرية في محافظة صلاح الدين أربع إذاعات محلية وهي إذاعة صلاح الدين أف أم و إذاعة ديرتنا وإذاعة بيجي وإذاعة بلد لمدة ثلاثة أيام، وهاجمت صحفيين ومصورين ميدانيين وحطمت معداتهم واحتجزت البعض منهم دون مبررات قانونية حيث تعرض بعضهم للتعذيب داخل أماكن الاحتجاز".
وبحسب إحصائيات مرصد الحريات ومركز ميترو فإن "عدد الاعتداءات على الصحفيين في جميع أنحاء العراق إلى أكثر من (150) حالة، منها حوالي (60) انتهاكاً في إقليم كردستان، وأن "مؤشرات الاعتداء على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية تبين أن (33) صحفياً تعرضوا للاعتقال والاحتجاز، فيما تعرض (40) صحفياً للمنع والضرب إضافة إلى مصادرة معدات بعضهم أو تحطيمها، فيما أصيب (12) صحفياً بإصابات مختلفة بعضها بسبب استخدام القنابل الصوتية أو تعرضوا للضرب من قبل قوات مكافحة الشغب والقوات الأمنية، كما تعرضت تسع مؤسسات إعلامية للمداهمة والتفتيش وأغلقت القوات الأمنية خمسا منها ".
كما ذكر مركز ميترو الشريك لمرصد الحريات الصحفية في إقليم كردستان انه تم تسجيل (51)حالة لمنع وضرب صحفيين ومصادرة وتحطيم معداتهم وتعرض سبعة منهم للاعتقال فيما تعرضت ثلاث مؤسسات إعلامية لهجمات مختلفة.
نفايات سامة
وفي 5/3/2011 حذرت مصدر مسؤول وزارة العلوم والتكنولوجيا العراقية من النفايات الموجودة في معسكرات جيش الاحتلال الأميركي في العراق والتي أطلقت عليها تسمية «النفايات الخطرة»، وأن هذه المواد يتم نشر وتقييمها من قبل وزارة البيئة باعتبارها هي الجهة التي تقوم بالفحص وفرز الأجهزة التي تم استخدامها من قبل جيش الاحتلال الأميركي وماهيتها، وهل هذه المواد موجودة على السطح، وتم الكشف عنها، وكيف ستتم معالجتها.
المصدر أكد أن المواد الخطرة تكون سبباً رئيساً لمرض السرطان والتشوهات الخلقية، مشيراً إلى ضرورة أن يكون هنالك مركز علمي متطور لديه أجهزة كشف ويضع أساليب المعالجة لمثل هذه النفايات، معرباً عن أسفه بأن الجهات المعنية الموجودة في العراق غير قادرة على أداء دورها بالشكل المطلوب، ومنها وزارة العلوم والتكنولوجيا، وأن الوزارة كان لديها مركزاً لمعالجة المواد الخطرة، ولكن تم حله خلال المدة القليلة الماضية على الرغم من أهمية وجود مثل هذا المركز وتطوير الخبرات الموجودة فيه، ليكون له دور فعال في مسألة التلوث الذي أصاب العراق خصوصاً اليورانيوم المنضب الذي استخدمته القوات الأميركية بشكل خاص خلال حربي 1991و2003.
نصف مياه العراق يضيع هدراً
الغريب أن العراق بلد النهرين دجلة والفرات يعاني اليوم من مشاكل واضحة في قطاع المياه، وهذه الحقيقة أكدتها حكومة المنطقة الخضراء، ففي يوم 22/3/2011، كشف تقرير لإحدى وكالات الأمم المتحدة عشية اليوم العالي للمياه، أن نصف كميات الماء في العراق تضيع هدراً، في حين لا يتمكن ستة ملايين نسمة من الحصول على مياه الشفة، وأن صندوق الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” اشار إلى “تقرير دولي يثير احتمال جفاف نهري دجلة والفرات عام 2040 نظراً للتغييرات المناخية وانخفاض كميات المياه والاستخدام المكثف لأغراض الصناعة والاستهلاك المنزلي”.
وأضاف أن “العراق يواجه صعوبات في تحقيق هدفه للتوصل إلى تزويد 91% من المنازل بمياه الشفة بحلول عام 2015”. وتابع “إذا كان معدل استهلاك الفرد يبلغ (327) ليتراً من المياه يومياً يعتبر مرتفعاً قياساً للمعايير العالمية، فإن نصف كميات المياه تضيع هدراً بسبب تقادم البنى التحتية والتسريب وسوء التوزيع”. وأفاد أن “نصف مليون طفل يستخدمون مياه الأنهر أو الجداول، في حين يستخدم حوالي (200) ألف غيرهم آباراً مكشوفة أو صهاريج المياه”. والأمراض الناجمة عن تلوث المياه منتشرة في العراق، ففي النصف الأول من عام 2010، تم تسجيل (360) ألف حالة من الزحار الذي يصيب النساء والأطفال. وأكدت الأمم المتحدة أن هذه الأمراض ناجمة عن تلوث الماء وغياب النظافة، مشيرة إلى أن “ما لا يقل عن (250) ألف طن من مجاري الصرف الصحي تصب يومياً في نهر دجلة مما يهدد مصادر المياه غير المحمية ونظام التوزيع بأكمله”.
فضائح مستمرة
قال مرصد حقوقي عراقي تابع لهيئة علماء المسلمين في العراق يوم 16/9/2011 إن القوات الأمريكية المحتلة ارتكبت خلال شهر آب/ أغسطس الماضي (143) خرقا فاضحا للاتفاقية الأمنية التي وقعتها حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي السابقة مع ادارة الرئيس الأمريكي جورج بوش نهاية عام 2008، مؤكدا ان تلك القوات شنت خلال أغسطس حملات دهم وتفتيش طالت العديد من المنازل وتسببت بترويع ساكنيها ولا سيما الأطفال والنساء كما اعتدت على المواطنين العراقيين وعلى ممتلكاتهم الخاصة.وخلص المرصد في ختام تصريحه الصحفي إلى القول إن هذه الخروقات لا تشكل إلا جزءًا يسيرا من الخروقات التي تقترفها قوات الاحتلال كل شهر، وأن ما يتم إعلانه من خروقات يقتصر على ما يرصده شهود العيان وما تسجله فروع الهيئة ومكاتبها في المحافظات فحسب.
وفي مسلسل هذه الفضائح، أكد رئيس هيئة النزاهة المستقيل رحيم العكيلي، في منتصف أيلول2011، أن سبب استقالته جاءت اثر التكالب على نهب أموال الدولة وعقاراتها، معتبرا أن ذلك يعد الجزء غير المعلن من الصراع على السلطة في العراق، وأنه "لا يمكن لأي هيئة لمكافحة الفساد أن تعمل بفاعلية وكفاءة بلا دعم سياسي كاف"، مؤكدا أنه اضطر لتقديم استقالته "من رئاسة الهيئة بسبب فقدان الدعم السياسي الذي كنت قد اكتسبته قبل العام 2011".
وكشف النائب المستقل صباح الساعدي، في (10 أيلول 2011)، أن أسباب استقالة العكيلي جاءت بعد أن طلب الحزب الحاكم منه فتح ملفات فساد ملفقة بحق أحمد الجلبي وجواد البولاني، وفي حين انتقد البرلمان للسماح للحكومة التحكم بالهيئات المستقلة، اتهم المالكي بانتهاج النهج نفسه الذي كان ينتهجه رئيس النظام السابق صدام حسين.
أخيراً فان التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2011، ضم ثلاثة بلدان عربية بين البلدان العشرة "الأكثر فساداً" في العالم وهي الصومال والعراق والسودان، في حين اعتبر التقرير قطر والإمارات وعُمان الأقل فساداً بين الدول العربية، كما أظهر التقرير أن الصومال احتلت المركز الأول في الدول الأكثر فساداً تلته أفغانستان وميانمار ثم العراق والسودان وتركمانيا وأوزبكستان وتشاد وبوروندي وأنغولا.
هذه هو حال العراق اليوم في ظل الاستهتار الحكومي والأمريكي بعد ثمان سنوات من الديمقراطية الزائفة والاعمار التخريبي، فالي متى سيبقى العراق في هذه الدوامة؟!!
الجزء الأول.
كاتب عراقي.