كتابات - د. حيدر عبدالرزاق حسين
تسلمنا قبل ايام دراسة من نخبة من خبراء النفط والغاز العراقيين بخصوص خطط وزارة النفط "لاستثمار" غاز الجنوب عن طريق التعاقد مع شركة شيل الانكلو-هولندية ، ولاهمية الدراسة ننشر نصها وكما يلي:
يحتاج العراق إلى استغلال الغاز لتلبية الاحتياجات العاجلة الخاصة بالكهرباء والصناعة، والتوقف عن حرق الغاز المصاحب الذي يهدر اموالا طائلة. ولكن تفاصيل "عقد الغاز الخاص بشيل" الذي تقوم الحكومة حاليا بدراسته يحتوى على عناصر تثير الكثير من القلق من أن المصلحة الوطنية العليا للعراق ستضرر بشدة إذا لم يتم تصحيحها ، حيث تمت كتابة العقد بطريقة معقدة مما يصعب من مهمة فهمه (على الأرجح بصورة متعمدة)، ولكن الدراسة المتأنية التي قام بها مجموعة خبراء النفط والغازالعراقيين قد كشفت عن عيوب خطيرة تمس المصالح العليا للبلاد كما مبين في ادناه:
1. شروط تجارية شديدة المبالغة:
§ تحصل شيل على أرباح استثنائية ومضمونة تقدر بـ60 مليار دولارا أمريكيا على مدار عمر المشروع من خلال الغاز الذي ينتج العراق عندما يتصاعد الإنتاج الى ذروته من الحقول الثلاثة.
§ تقوم الشركة بشراء الغاز الخام من العراق بسعر مبدئي قدره 0.017 دولارا أمريكيا فقط (أي 1.7 سنتا) لكل مليون وحدة حرارية، ثم تبيع الغاز الجاف (بعد إزالة السوائل) مقابل 4 دولارات (وهو ما يمكن مقارنته بأسعار الغاز في المنطقة التي تبلغ 0.75 دولارا أمريكيا في دول مثل إيران والمملكة العربية السعودية). وقد نشرت وكالات الأنباء العالمية مثل رويترز وداو جونز هذه الحقائق والأرقام.
§ تحصل شيل أيضا على السوائل مجانا وتقوم ببيعها بالأسعار العالمية، كما ستحصل دائما مقابل بيع الغاز الجاف على سعر أعلى مما تدفعه مقابل الغاز الخام الذي يحتوى على السوائل (في حين أن الوضع يجب أن يكون معكوسا).
§ بسبب فروقات شراء وبيع الغاز سيتوجب على الحكومة العراقية أن تتحمل على امتداد العقد مايناهز 30 مليار دولار كلفة دعم الغاز.
2. احتكار التصدير:
§ على عكس التصريحات العامة المضللة، فالأولوية الأساسية لشيل في هذا العقد هي الصادرات من الغاز الطبيعي المسال، وتشير المادة 17 من اتفاقية المساهمة بوضوح أن "مشروعات الغاز الطبيعي المسال جزءا أساسيا من المشروع"، وتلزم الحكومة العراقية واقعيا على الموافقة على هذا.
§ التصريحات العامة التي تدعي أن هذا العقد يعطي أولوية للاحتياجات المحلية مضللة، فلا يوجد أي ذكر لهذا الامر في العقد، بل إن وسائل الإعلام العالمية أشارت إلى أن شيل قد بدأت في الإعداد لمشروع التصدير وشراء ما يلزم له، كما عقدت محادثات أولية مع الكويت حول التعاون لتصدير الغاز العراقي.
§ هذا الأمر صادم ومثير للدهشة إذ أن العراق في حاجة ملحة إلى كل الغاز من الجنوب لاحتياجاته المحلية في هذا الوقت، أولا لتلبية احتياجاته من الكهرباء ثم لتطوير صناعته المحلية. ولا يجب حتى التفكير في التصدير أو الحديث حوله حتى تتم تلبية هذه الاحتياجات.
§ يحدد العقد الحد الأدنى للغاز بـ600 مليون قدم يوميا للتصدير، ويمنح شيل احتكارا حصريا في المادة 8.10 يمنع العراق من تصدير الغاز بأية وسيلة أخرى ومن أية مناطق أخرى حتى تحقق شيل أهدافها!
§ ينص العقد على أن يتم بناء مرافق بحرية لتصدير الغاز الطبيعي المسال كمرافق عائمة، وهو ما لم تقم به من قبل شيل أو أية شركة أخرى في أي مكان في العالم، وهو ما يثبت أن شيل ليست مستعدة حتى للاستثمار في مرافق يتم بنائها داخل العراق بل مرافق عائمة بحيث يمكنها تحريكها إلى أي مكان آخر في حال عدم رضائها عن الوضع في العراق.
§ تمتلك إحدى الشركات المملوكة بالكامل لشيل الحق الحصري في شراء كافة الغاز الطبيعي المسال الذي ينتجه العراق بموجب المادة (ب).8.1.2 من العقد ويمكنها أن تقوم ببيعه في أي سوق ترغب فيه ويكون الربح لها وحدها. ويخالف هذا عقود الغاز الطبيعي المسال الأخرى في الشرق الأوسط (في قطر وأبو ظبي وعقد شيل نفسها مع عمان)، حيث يتم عادة تشكيل لجنة مشتركة للتسويق تكون الأغلبية فيها للحكومة لاتخاذ قرارات تحديد الأسواق وسعر الغاز الطبيعي المسال، بل أن شركة شيل نفسها لا تمتلك هذا الحق الحصري في أي من عقودها الخاصة بالغاز الطبيعي المسال في أي مكان في العالم (بما في ذلك في قطر وعمان ونيجيريا وبروناي وماليزيا واستراليا).
§ تمنح المادة 8.1.1 شيل الحقوق الحصرية في تسويق كامل النفط والمكثفات والغاز النفطي المسال وغيرها من المنتجات الأخرى، كما أن لها حق الملكية وتكون شركة تسويق النفط (سومو) وكيلا فقط وتحصل على رسم 1% مقابل اسمها ولكن السيطرة الحقيقية الكاملة تكون لشيل.
§ يشير العقد الى أن يقوم العراق بتوفير ما لا يقل عن 1000 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا بغرض التصدير, وفي حال إخفاق العراق في توفير هذه الكمية من الحقول الثلاثة المحددة في العقد فيستلزم عليه توفيرها من حقول أخرى أو دفع تعويضات عالية الكلفة لشركة شيل.
3. تدمير الصناعة المحلية:
§ مجرد التفكير في مشروع للغاز الطبيعي المسال اليوم يعد ضربا من الجنون، في الوقت الذي تمنح فيه الدول المجاورة (السعودية وإيران وعمان) الأولوية لاحتياجاتها المحلية (مع العلم بأن الكهرباء متوفرة في هذه الدول على مدار 24 ساعة يوميا، وليس مثل الوضع في العراق)، بل ان إيران قامت بإلغاء خططها الخاصة بالغاز الطبيعي المسال.
§ تقوم شيل ببيع الغاز الجاف إلى الحكومة مقابل 4 دولارا أمريكيا لكل مليون قدم مكعب (عندما يكون سعر النفط 100 دولارا للبرميل)، في حين أن دول المنطقة مثل إيران والسعودية تقوم ببيعه مقابل 0.75 دولارا للصناعة المحلية مما أدى الى نمو هذه الصناعات وتحولها الى صناعات عالمية منافسة. وهذا يعني إما أن الصناعة في العراق سوف تعاني ولن تتمكن من النمو، أو أنه سيكون على الحكومة أن تبيع الغاز مقابل سعر أقل بكثير مما تضطر إلى دفعه لشيل، وبالتالي تتحول مليارات الدولارات من أموال الشعب العراقي سنويا بصورة مباشرة لتصبح في جيب شركة شيل عن طريق دعم اسعار الغاز حتى تكون في متناول المستهلك العراقي!
4. عدم قانونية العقد والإجراءات:
§ يستند العقد إلى مذكرة تفاهم تم توقيعها مع شركة شيل في السفارة البريطانية، وقد انتهت مدة هذه الاتفاقية وبالتالي فإن العراق غير ملزم أمام شيل حاليا.
§ لم تتسم هذه العملية بالشفافية فيما يخص اختيار الشركة أو التفاوض.
§ لم تشهد هذه العملية أية منافسة على الإطلاق، ولم تنظر الوزارة في أي من عروض الشركات الأخرى على الرغم من تلقيها لعدة عروض بعضها أقل كلفة وأفضل من عرض شيل بمنافعه للعراق.
§ يعتبر العقد مخالفا للعديد من القوانين العراقية الحالية، كما سبق أن أشار المستشار القانوني لرئيس الوزراء في خطابه المرقم (م ر ن /6 /7871) بتاريخ 28/11/2010 إلى وزير النفط.
§ يشير العقد إلى نقل ملكية الأصول الاستراتيجية للدولة والسيطرة عليها إلى شركة خاصة دون شروط، كما أنه لا توجد شفافية في الكيفية التي تم بها تحديد السعر.
§ على الرغم من ان شركة شيل تمتلك 49% وشركة غاز الجنوب 51%، فالقراءة المتأنية للعقد تشير إلى أن شيل يمكنها عرقلة كافة القوانين الحكومية حيث أن موافقتها ضرورية في لجنة الإدارة وتقوم بتعيين سكرتير لجنة الإدارة أيضا. وعلى العكس من ذلك، فإن عددا من مواد العقد تمنح شيل الحق في إجبار الحكومة على الموافقة على خطتها، وهو ما يعني أن نسبة 51% التي تمتلكها شركة غاز الجنوب لا تمنحها السيطرة الكاملة بينما تلزمها بدفع 51% من كافة الكلف !
§ تسمح المادة 3.3 لشيل بالدخول في مناطق أوسع من العمليات مثل مشروعات الطاقة والاتصالات والمياه مما سيمنحها أفضلية غير عادلة وقد يضر ذلك بشروط المنافسة.
المطلوب
يجب على الوزراء الذين سيتخذون قرارا بهذا الشأن توخى الحذر عند التعامل مع هذا العقد حتى لا يتم تحميلهم لاحقا مسؤولية الإضرار بالمصالح الوطنية العراقية.
ويجب اتخاذ الخطوات التالية على الأقل:
1. تعيين خبير غاز دولي لمراجعة العقد وتقديم الرأي من حيث ملائمة شروطه التجارية والقانونية للممارسات الدولية، ويشمل هذا إجراء دراسة كاملة ومفصلة وشرحا للشروط التجارية.
2. أن يقوم المستشار القانوني لرئيس الوزراء بتقديم عرضا قانونيا كاملا لتصحيح ما يخالف القانون العراقي.
3. طلب العروض المقدمة من الشركات الأخرى وفحصها.
4. تعديل الاتفاقية للنص على عدم البدء في أية أعمال تخص مشروع التصدير قبل تلبية كافة الاحتياجات المحلية من الغاز لأغراض الكهرباء والصناعة أولا، وذلك وفقا لرأي الحكومة وحدها (بدون موافقة شيل كشرط ملزم).
5. تعديل الشروط لمعالجة عدم التوازن في السيطرة والادارة بحيث يكون للحكومة (من خلال شركة غاز الجنوب) السيطرة الملائمة التي تتماشى مع حصتها التي تبلغ 51%.