ترى هل أصبحت هذه مهنة جديدة يمتلكها البعض كوسيلة للربح الفاحش والسريع على حساب جيب المواطن؟
هل أصبحت هناك مافيات تدير تلك العمليات وتحت غطاء خدمة المواطن؟
وهل أصبحت وسيلة جديدة للأستثمار من قبل بعض من أغنياء الحرب؟
لك الله يا عراق
صام الجلبي
مسؤول حكومي: أصحاب المولدات يؤسسون {دولة للكهرباء» تدر عليهم الملايين
بغداد - حيدر نجم / العالم
لا تخلو صفحات الجرائد اليومية والبرامج الاذاعية والتلفزيونية التي تهتم بالشأن الخدمي في العراق، من شكاوى ترقى أحيانا إلى مستوى الاتهامات، توجه إلى أصحاب المولدات الأهلية الذين باتوا، بفعل أزمة نقص الطاقة الكهربائية التي تعانيها البلاد منذ عقود، مزودين رئيسيين لهذه الخدمة الحياتية، وجزءا من طبقة الاثرياء الجدد التي تكونت بعد العام 2003.
ففي بلد عجزت سلطاته عن معالجة أزمة الكهرباء المستفحلة، رغم المليارات المصروفة والجهود الدولية المبذولة، يواجه بائعو الكهرباء اتهاما بأنهم أسسسوا "دولة خاصة بهم تدر عليهم الملايين"، تعمل تحت أنظار السلطات دون رقيب أو حسيب، بينما أخذت الأزمة اتجاها آخر في عدد من أحياء العاصمة، لتتحول إلى عراك بالعصي والأسلحة النارية بين الأهالي وأصحاب المولدات، نتيجة عدم التزام الأخيرين بأوقات التشغيل المتفق عليها مسبقا.
ويقول مسؤول في مجلس محافظة بغداد، مهمته مراقبة عمل المولدات بشقيها الاهلي والحكومي لـ"العالم"، إن "هذه الدولة الكهربائية تأسست عن طريق شبكة علاقات مشبوهة، تكونت بين أصحاب المولدات وأعضاء في المجالس البلدية، وعاملين في المحطات الرئيسة والفرعية لتوزيع الطاقة الكهربائية، وحتى مع بعض المسؤولين الأمنيين".
شبكة "العلاقات العنكبوتية" هذه يثار حولها الكثير من الأقاويل وشبهات الفساد المافيوية، إذ يؤكد هذا المسؤول الذي يخشى كغيره من زملائه التحدث باسمه علانية، أن "كثيرا من أصحاب المولدات يحظون بدعم من أعضاء لجان الطاقة في المجالس المحلية لمناطقهم".
ويضيف "هنا يبذل المسؤولون المحليون أقصى جهودهم، لإبعاد أصحاب المولدات عن المساءلة، أو العقوبات المحتملة التي يمكن أن تفرض عليهم في حال مخالفتهم للتعليمات التي وضعتها السلطات مؤخرا لتنظيم عملهم، مقابل رشى شهرية أو جزء من الأرباح".
ويتابع "من خلال المعلومات التي استقصيناها، وجدنا أن بعض أعضاء المجالس البلدية يمتلكون حصصا في المولدات الأهلية، أو أنهم هم أصحابها بالباطن، لذا يسهلون حصول تجار الكهرباء على وقود الكاز المدعوم حكوميا، ويتغاضون عن محاسبة المخالفين منهم".
ويشير إلى أن "الأمر يذهب إلى أبعد من ذلك، إذ يحظى كثير من بائعي الكهرباء الجشعين بحماية قوات الامن الحكومية، بحكم العلاقات التي أنشؤوها مع بعض القيادات العسكرية ورجال الشرطة، كما يستظلون بعشائرهم في حال لو حدث شجار بينهم وبين زبائنهم".
هذا الدعم "اللامتناهي" الذي يحظى به أصحاب المولدات، شكّل حسب المصدر "الأسس والركائز التي نشأت عليها هذه الدولة الكهربائية، تحت مسامع وأنظار السلطات التي لا تهش أو تنش إلا في حالات محدودة جدا تكاد لا تذكر، على صعيد العقوبات الخجولة التي يتم فرضها على الأثرياء الجدد".
ويعرب المسؤول المحلي عن قناعته بأن "لا شيء يردع مافيا تجار الكهرباء، التي أخذت تفرض قوانينها الخاصة على المواطنين، وتحدد من جانب واحد أسعارا مرتفعة للأمبيرات الكهربائية التي يشتريها الأهالي"، مبينا أن "أصحاب المولدات يدفعون أيضا رشى لمراقبي محطات توزيع الكهرباء، مقابل تلاعب هؤلاء الموظفين في توقيتات تشغيل الكهرباء الوطنية لصالحهم".
ويوضح "في هذه الحالة، تمنح الحكومة التيار الكهربائي لمنازل المواطنين، بالتزامن مع أوقات تشغيل المولدات الخاصة، وهو ما يضمن لتجار الكهرباء ساعات تشغيل أقل مما اتفقوا عليه مع الأهالي" وهي معادلة يفهمها العراقيون جيدا.
ويستند المسؤول المحلي في كلامه هذا إلى "التنقلات التي تجريها وزارة الكهرباء بين فترة وأخرى، بحق المتلاعبين من الموظفين الحكوميين، فضلا عن العقوبات الإدارية المتفاوتة التي تفرضها عليهم".
ويشدد على أن "الدليل الرسمي لهذا الحديث الاتهامي، ما صدر قبل أيام عن محافظ بغداد صلاح عبد الرزاق، بشأن شكاوى وردت للحكومة المحلية ضد أصحاب المولدات، ما دفعه الى إصدار قرار لفتح تحقيق فوري ينظر في طبيعة عمل جميع المولدات، التي تتسلم وقودا مجانيا من دون أن تقدم خدمة حقيقية للمواطنين".
الاتهامات التي ساقها المسؤول المحلي ليست الأولى من نوعها، ففي سنوات ذروة العنف الطائفي الذي ضرب البلاد بين العامين 2006 و2008، اتهم الجيش الأميركي العاملين في محطات توزيع الطاقة الرئيسة والفرعية، بتوزيع التيار الكهربائي على أساس "طائفي" أو "مناطقي" احيانا، بعدما قال إن ميليشيات مسلحة سيطرت في تلك الفترة على محطات التوزيع، وأجبرت العاملين فيها على الخضوع لأوامرها.
ويؤشر المسؤول الحكومي كغيره من العراقيين "انتقاداته" تجاه الحكومة، إذ يذكر أن "الحكومة ساهمت في التأسيس لتلك الدولة، بعدما اعتمدت بشكل رئيسي على المولدات الأهلية في تزويد منازل المواطنين بالكهرباء، وقامت في الأشهر الماضية بتقديم وقود تشغيل هذه المولدات العملاقة بسعر مدعوم، في وقت رفع أصحاب المولدات أسعارهم".
وقرر مجلس الوزراء نهاية أيار الماضي، تجهيز أصحاب المولدات الأهلية والحكومية بالوقود مجانا، شرط التزامهم بتشغيلها 12 ساعة يوميا خلال أشهر الصيف، وخصصت الحكومة لهذا المشروع مبلغ 400 مليون دولار، وهو ما لم يلتزم به عدد كبير من أصحاب المولدات.
ويعلق كاظم حسين (47 عاما)، وهو من سكنة بغداد الجديدة، ويحمل شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية، لكنه يعمل سائق تاكسي الآن، على الإجراءات الحكومية، بالقول إن "هذا القرار الترقيعي جاء بعد استمرار أزمة الكهرباء، كما أنه اعتبر خطوة لامتصاص الغضب الشعبي".
وتعليقا على ما قاله المسؤول الحكومي عن "دولة الكهرباء"، يرى كاظم في حديثه لـ "العالم"، أن "دعائم هذه الدولة تشكلت على أنقاض أزمة الكهرباء الوطنية التي تعيشها البلاد منذ عقود، ويتوقع لها أن تتواصل ما دامت الأزمة مستمرة، إلا إذا اتخذت إجراءات حازمة لقطع دابر هذه الأزمة والدولة التي تأسست على انقاضها، مثلما هي الحال في الجزء الكردي من البلاد".
ويختم بالقول "عندما زرت أربيل والسليمانية مؤخرا، رأيت كيف يعيش سكان إقليم كردستان حالا من الرخاء الكهربائي، ولاسيما بعد أن وعدت الحكومة هناك مواطنيها بتجهيزهم بـ24 ساعةكهرباء وطنية يوميا، وكانت قد جهزتهم بـ20 ساعة خلال الأشهر الماضية، ولم تترك لتجهيز المولدات إلا 4 ساعات، الأمر الذي حدّ بشكل كبير من جشع أصحابها