كاظم فنجان الحمامي
رجال اختاروا اقتحام البحر, والولوج في لجته, وجازفوا في الغوص في أعماقه السحيقة, وتحملوا مزاجه المتقلب وأمواجه العاتية. لكن أسرار مغامراتهم البحرية دفنت في رمال السواحل البعيدة, وطواها النسيان. وتجاهلها التاريخ.
تعلم منهم العالم كله فنون الملاحة, وأساليب الإبحار, وعلوم الفلك, وتعلموا منهم المبادئ الهندسية لبناء السفن. بيد إن مناهجهم التعليمية تعرضت للسرقة, وسجلت باسم الغزاة والقراصنة.
كان البحر بستان الملاحين العرب, وملعبهم, ومؤنسهم, ومدرستهم, وملاذهم. وكان مقبرتهم الأبدية. طبعوا بصماتهم في ذاكرة الطين والماء, ونقشوها على المسطحات البحرية المترامية الأطراف. وهي الآن تنتظر من يكشف الغطاء عنها, ويفك رموزها. وما هذه الصفحات إلا محاولة متواضعة لقراءة السجل التاريخي لفنون الملاحة العربية. .
أول من رسم خطوط الطول والعرض
حقق العرب مكانة عالمية متميزة في المهارات الملاحية المكتسبة بالفطرة. إضافة إلى ما يكتنزونه من مواهب طبيعية, وما يحتفظون به من معارف موروثة. وتفوقوا في فنون وهندسة بناء السفن الشراعية. وكانوا أول من تعلم ركوب البحر. وخاضوا غمار البحار البعيدة بقواربهم البدائية المصنوعة من البردي المطلي بالقار. وأحرزوا قصب السبق في الإستدلال بالنجوم والكواكب لرسم مساراتهم على المسطحات المائية. ومازالت القبة السماوية تسطع بأسمائها العربية الخالدة. وكانت لهم الريادة في تهذيب, وتطوير الإسطرلاب. وإبتكروا آلة الكمال ( آلة السدس Sextant). واخترعوا البوصلة المغناطيسية, وهم أول من جزءها إلى أثنين وثلاثين جزءاً. وأول من استخدم الساعة المائية في الملاحة. ويعود لهم الفضل في رسم الخرائط الملاحية, وتثبيت الملامح الساحلية, وتوزيع خطوط العرض والطول. . والعرب أول من عرف الملاحة. فقد وردت في الأكدية مفردة ( ملاحو ). وربما كانت تلفظ ( ملاّحو ). وهي في السومرية - ملاح- وتكتب ( ما- لاح ). وتعني بحّار. .
وأطلق السومريون على دفة السفينة اصطلاح ( سكّان ) وهو دفة السفينة rudder وتلفظ في الأكدية ( سكانّو ) وفي السومرية ( زي – كَان ). .
وهناك دلائل تاريخية موثوقة تشير إلى إن العرب كانوا أول من اخترع المرساة البحرية ( مخطاف السفينة ), وأطلقوا عليها اصطلاح ( أنجر ). وتلفظ الجيم فيه على أصلها السامي. والجيم السامية مشابهة للجيم المصرية. وقد رصد الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري هذه اللفظة. وصرح بعراقيتها. قال: ( والأنجر مرساة السفينة، وهو اسم عراقي ). وزعم أن اللفظ عراقي بدليل عدم سماعه له في غير العراق، ومعروف سكنى الخليل في البصرة، ومنها اطلع على كثير من الألفاظ العراقية التي رصدها في معجمه ( العين ).ومن الطريف أنه ذكر مثلا عاميا عن الأنجر، ما زال يقال حتى يومنا هذا, إذ يقال للثقيل (أثقل من أنجر). .
وقد تبين لنا من خلال البحث في هذا الموضوع. أن هذه التسمية لها جذورها العميقة في وادي الرافدين. فقد وردت مفردة ( Ankara ) في اللغة المندائية بمعنى المرساة. ويبدو أن هذا اللفظ تسرب إلى اللغة الإنجليزية. فهم يطلقون على المرساة ( Anchor ). . وتعلم منهم العالم كله هذه التسمية. .
أسياد الملاحة بلا منازع
كان المصريون أسياد الملاحة في حوض البحر الأبيض المتوسط بلا منازع. وكانت سفنهم من أكثر السفن إثارة للإعجاب. وتظهر مستوى عال من المهارة ودقة الصنعة. واستطاعوا أن يبسطوا نفوذهم الملاحي على طول البحر الأحمر, والأبيض المتوسط. وكانت الاسكندرية صلة الوصل بين الشرق والغرب. ومن يقرأ كتاب (طريق بحر إريتريا), الذي كتبه تاجر من الاسكندرية. سيجد إن هذا الكتاب يشتمل على أدق الحسابات, والقياسات, والنصائح الإرشادية الملاحية. .
ولقرون عديدة كانت سفن العمانيين تمخر عباب البحار حاملة معها البضائع إلى الموانئ السومرية في أبولوجوس, وأريدو. وتطور اسطولها التجاري في عهد (الإمام غسان بن عبد الله الفجعي). ثم جاء من بعده (الإمام المهنا بن جيفر), الذي عمل على تقوية الإسطول. وأولى عناية كبيرة للفنون والعلوم البحرية. وسجل الأسطول العماني, في فترات متلاحقة, إنتصارات باهرة على سفن الغزاة والقراصنة في أكثر من معركة. وأصبحت عمان تشكل قوة ملاحية. يحسب لها ألف حساب في بحر العرب, والمحيط الهندي. .
اليابانيون والصينيون يعترفون
برع العرب والمسلمون في رسم الخرائط الجغرافية, وتوضيح المسالك البحرية. أشهرها خارطة العالم, التي رسمها الأدريسي. وصنع بجوارها كرة أرضية من الفضة. وهو أول من رسم خارطة كاملة للأرض. .
وتناول المقدسي, في كتابه (أحسن التقاسيم في دراسة الأقاليم), دقة الخرائط الملاحية, التي استخدمها العرب في الملاحة بسفنهم الشراعية في المحيط الهندي. وأشار إلى المهارة الفائقة للملاحين العرب في تصحيح وتحديث المسارات البحرية. وكيف كانت الجزر والشواطئ مرسومة في غاية الدقة. .
ويعترف اليابانيون والصينيون بأنهم تعلموا الملاحة من العرب. وجاء هذا الإعتراف بشهادة أرباب الملاحة في جنوب شرق آسيا. فقد ورد في كتاب مؤسسة (هوسو كيوكاي) ما يؤكد إن اليابانيين تعلموا الملاحة من العرب, وتعلموا منهم هندسة بناء السفن التقليدية القديمة إبان أيام تجارتهم مع سلالة (مينغ) الصينية للفترة من 1368 إلى 1644م, وخلال عهد (مورو ماشي) للفترة من 1336 إلى 1573م. .
الفضل لمن إخترع الشراع المثلث
نجح العرب في مواجهة أهوال البحر, والتغلب عليها حينما اعتمدوا على خشب الساج في صناعة مراكبهم. وذلك لمرونته وقوة تشكله حسب الطلب, ومقاومته للتلف.
وانفردت السفن العربية بخصائص تدل على خبرة صانعيها, ودرايتهم بالأمور الملاحية، ومعرفتهم بالمسالك البحرية. فبرعوا في صناعة السفن القديمة ذات المؤخرة المرتفعة. مثل : ( البغلة, والكوتية, والغنجة ).
ونجحوا في صناعة السفن ذات التصميم الإنسيابي مثل: (البوم, والسنبوك, والشوعي). وهذه الأنواع من السفن تستطيع أن توجه الوجهة الصحيحة المطلوبة خلال المناورات البحرية, وفي الظروف الصعبة, وعند اشتداد الرياح, وتلاطم الأمواج, وهيجان البحر. وبخاصة في المتاهات البحرية المعروفة بكثرة الشعاب المرجانية, والخلجان, والترسبات الطينية والصخرية. فاختلاف التضاريس في البحار والمحيطات أكسب العرب خبرة عالية. وجعلهم أكثر مهارة. فارتقوا بمهنتهم الأصيلة إلى المستوى, الذي يؤهلهم لخوض غمار البحار البعيدة. وتجاوزوا بخبرتهم هذه مياه الخليج, وحوض البحر الأبيض المتوسط حتى وصلوا إلى أقصى الأرض بأدواتهم الملاحية البسيطة. وكانت سفنهم تجوب معظم بحار العالم. .
ويقول المؤرخ الهندي (بانيكار) : ربما شاقنا أن نلحظ إن تزويد السفن بالإشرعة المثلثة, كان من المستحدثات, التي نقلها البرتغاليون عن العرب. ولولا الشراع المثلث, الذي أدخله العرب على الملاحة لما تطورت السفن الأوربية, ولما نجحت رحلات المحيط الأطلسي, التي قام بها المستكشفون الأوائل. .
خشخاش وإبن فاروق سبقوا كولومبس
عندما وصل اسطول فاسكو دي غاما إلى المحيط الهندي كانت الملاحة العربية في قمة مجدها. وبلغت درجة عالية من الكفاءة والدقة. .
ويجزم خبراء الملاحة على إن العرب والمسلمين وصلوا إلى أمريكا قبل كرستوفر كولومبس بمئات السنين. ونحن نرى ان تسجيل ذلك الإكتشاف باسم كولومبس لا يلغي حق رواد الملاحة العربية, الذين غامروا بعبور الأطلسي, واستقروا في الأرض الجديدة.
فقد تحدث (أحمد بن فضل الله العمري), في كتابه ( مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ) عن وجود أرض عامرة, ومسكونة, لكنها غير معلنة. تقع خلف بحر الظلمات (المحيط الأطلسي). وقد عاش (إبن فضل الله) قبل كولومبس بقرنين على أقل تقدير. .
وتحدث الأدريسي أيضا عن رحلة استكشافية بحرية قام بها مجموعة من الملاحين العرب. إنطلقوا غربا من ميناء دلبة في الأندلس, وإقتحموا المحيط الأطلسي. ثم عادوا بعد أشهر. وراحوا يقصّون مشاهداتهم المثيرة عن عالم غريب. .
وذكر المسعودي في مروج الذهب. إن الملاح العربي (خشخاش بن سعيد بن أسود القرطبي) أبحر من الأندلس متوجها نحو الغرب في عام 889م. وقطع بحر الظلمات (الأطلسي). ووصل بعد عناء ومشقة إلى أرض مجهولة. وعاد منها محملا بالذهب والغنائم. وقد أشار المسعودي إلى موقع تلك الأرض, وثبتها في الخارطة, التي رسمها المسعودي نفسه. وكتب عليها عبارة (الأرض المجهولة). وهي في موضع قارة أمريكا. .
وتحدث المؤرخ (أبو بكر بن عمر) عن ملاح عربي آخر. هو (إبن فاروق) من غرناطة. فقد أبحر هذا الملاح من ميناء قادس ( Kadesh ) في بداية شهر فبراير (شباط) من عام 999م . وتوغل في بحر الظلمات حتى وصل إلى جزر الكناري. ثم واصل مساره في الإتجاه الغربي حتى وصل إلى جزيرتين نائيتين. هما جزيرة ( Capraria ), وجزيرة (Pluitana ). وعاد من رحلته في نهاية مايو (أيار) من العام نفسه. .
وأسبانيا تعترف أيضا
وتعترف المراكز الملاحية الأسبانية اليوم. بأن العرب, المنحدرين من أصول مغربية, أبحروا من ميناء دلبة الأسباني (بالوس Palos) في منتصف القرن العاشر الميلادي. وعبروا بحر الظلمات (الأطلسي) متجهين بسفنهم نحو الغرب. ثم عادوا بعد غياب طويل ليحكوا للناس عن مشاهداتهم في الأرض العجيبة الواقعة غرب المحيط. .
وكان الأندلسيون يحلمون بالسفر بحرا إلى تلك الجزر النائية. وهذا ما شجع العرب على الفرار بسفنهم بعد سقوط غرناطة عام 1492, والمجازفة بعبور الأطلسي. بحثا عن الملاذ الآمن, وخوفا من الموت المحتوم, الذي كان يطاردهم في الأندلس. واستمرت هجرة عرب الأندلس إلى الأرض الجديدة. الأمر الذي دفع ملك اسبانيا إلى إصدار قرار جائر منع بموجبه تلك الهجرة, وحرمها على المسلمين. .
الإطار المعرفي العربي
تذكر المراجع البرتغالية. إن كولومبس كان يقيم في جزيرة (ماديرا Madeira ). وفي عام 1486 أصابت الأعاصير سفينة اسبانية, وأغرقتها في عرض البحر. ولم ينج منها إلا خمسة من بحارتها. من ضمنهم ربانها (Alonso Sanchez ). وشاءت الظروف أن يلجأ ربان السفينة المنكوبة إلى منزل كولومبس. وبحوزته سجل السفينة. وخرائطها الملاحية المقتبسة من الخرائط العربية. وكانت تلك الخرائط تغطي أهم مسالك المحيط الأطلسي. وتعد من الوثائق السرية النادرة. فغدر كولومبس بالربان المفجوع, وقتله وإستحوذ على خرائطه. .
وغامر كولومبس بعبور الأطلسي مستعينا بالخرائط الملاحية العربية المسروقة, ومتسلحا بالمفاهيم والمعارف الجغرافية العربية. ويبدو إنه كان مؤمناً بنظرية (كروية الأرض) للعالم الجغرافي الأندلسي (إبو عبد الله البكري). وهي النظرية, التي قادته لمحاول الوصول نحو الشرق بالسير غربا. خلافا لرأي الكنيسة المتشدد آنذاك, والقائل بأن الأرض مسطحة. وأن الأيمان بكرويتها كفر أودى ذات يوم بحياة كوبرنيكس, وعرّض غاليلو للتعذيب.
وكان كولمبس مدركاً لحسابات العالم العربي (أبو الفداء), التي توسعت في شرح نظرية كروية الأرض, وبينت إختلاف التوقيتات الزمنية في شروق وغروب الكواكب من مكان إلى آخر. واستعان أيضا بتطبيقات خطوط الطول والعرض, التي توصل إليها (أحمد بن محمد المقدسي). وتطبيقات (البيروني) على دوائر العرض بالأعتماد على رصد زوايا النجوم. .
بمعنى إن كولومبس إستفاد كثيرا من الثراث العلمي الجغراقي, الذي تركه العلماء العرب. ورسم مسار رحلته الملاحية في حدود الإطار المعرفي, الذي بنته الحضارة العربية في الأندلس. فتمكن من الإنطلاق نحو الغرب معتمدا على أسس واقعية ومنطقية صاغتها العبقرية العربية. وكان ثلث بحارته من الملاحين العرب. .
الجميرة وإخوان هاني في بحر الظلمات
صرح كولومبس بنفسه بأن اللغة العربية هي أم اللغات. وهذا يفسر حرصه على اصطحاب البحّار ( Luis de Torres ), الذي كان يجيد العربية والأسبانية. فقد ظلت اللغة العربية تتربع على منصة العلوم والفنون والآداب, في عموم بلدان العالم المتحضر, للفترة من القرن الثامن إلى القرن الخامس عشر الميلادي. وكانت معظم الخرائط والجداول الملاحية مكتوبة باللغة العربية. . ومن الواضح إنه اقتفى أثر الملاحين العرب. وسار على نهجهم. إذ إختار ميناء دلبة للإنطلاق في رحلته نحو الغرب. وتوجه إلى جزر الكناري. وكانت تسمى (Gomera ). وهو اسم عربي يعني ( جميرة, تصغير جمرة ). وفي هذه الجزر وقع كولومبس في حب (Beatriz Bobadilla ). ونلاحظ هنا أن اسم (Bobadilla ) مشتق من الأسم العربي ( أبو عبد الله Abouabdilla ) . .
وفي الثاني عشر من أكتوبر(تشرين الأول) عام 1492 رست سفن كولومبس على ساحل جزيرة صغيرة تابعة للبهاما. اسمها ( Guanahani ). وهو اسم آخر مشتق من العبارة العربية (إخوان هاني ). فبادر إلى تغيير اسمها إلى ( سان سلفادور San Salvador ). .
وقال (فرديناند), نجل كولومبس : أخبرني أبي. إنه وجد قبائل من أصول أفريقية تقطن في الهندوراس. وذلك إلى الشرق من ((Cavinas. وأخبره أيضا. إنه وجد في الموقع نفسه قبائل مسلمة تدعى (Almamy ). أو (Al-Imam ). . وهذه الرواية لا تحتاج إلى تعليق. ومن المرجح إن تلك القبائل تعرضت إلى الإبادة الجماعية. .
ويكشف لنا إستاذ اللسانيات في جامعة هارفرد. البروفسور (Leo Weiner ), في كتابه ( أفريقيا وإكتشاف امريكا ), المنشور عام 1920, عن حقائق مثيرة. تثبت الوجود العربي الإسلامي في أمريكا قبل كولومبس. وأشار إلى شيوع مفردات عربية كثيرة في لهجات الهنود الحمر. تؤكد على وجود صلات عرقية بين القبائل الموريتانية والمغربية من جهة, وقبائل الهنود الحمر من جهة أخرى.
ليوث الملاحة وأسود البحر
ويعد (شهاب الدين أحمد بن ماجد) من أشهر الملاحين العرب. فهو أسد البحر, وشيخ الملاحين والمرشدين, وواضع أسس النظريات الملاحية الحديثة, التي جسدت رؤية الجغرافيين القدامى. وهو مبتكر المصطلحات العربية في شتى العلوم والفنون البحرية, وصاحب الإختراعات والكتب والأراجيز, التي أعتبرها الغرب ثروة لا تقدر بثمن. وأشهر مؤلفاته : كتاب (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد). .
ابتدع إبن ماجد قياسات ملاحية جديدة لم يسبقه إليها أحد. واستطاع أن يحدد مواقع الجزر, والبلدان, والسواحل, ومطالع النجوم. وقام بشرح المسالك البحرية في المحيط الهندي. وتعمد تدوين علومه البحرية على شكل أراجيز شعرية مبسطة. بحيث يسهل حفظها وتناقلها بين رجال البحر. وبلغت أراجيزه حوالي أربعين ارجوزة في مختلف المواضيع. .
وتزدحم ذاكرة الملاحة العربية بالمشاهير والعمالقة. نذكر منهم الليوث الثلاثة. وهم : محمد بن شاذان, وسهيل بن ابان, والليث بن كهلان. ونذكر أيضا : سعيد بن سالم باطايع, وأحمد بن سعيد باهيال, وعبد العزيز بن أحمد المغربي, وموسى القندراني, وميمون بن خليل, وأحمد بن تبرويه, وخواشير بن يوسف بن صلاح الأركي, وأحمد بن محمد بن أبي الفضل المغربي, ومنصور بن الحاج ابراهيم الفيلكاوي, ودعيج بن خليفة الفهد, وسلطان الحمادي, وعبد الوهاب بن عبد العزيز العثمان, وجاسم بن محمد القطامي, وسعيد بن أحمد بن خميس, وسعيد بن أحمد بن ماطر التمامي.
ويعد الملاح سليمان بن أحمد بن سليمان المهري من الملاحين العرب الأفذاذ. وله في علم الملاحة مؤلفات كثيرة. نذكر منها: كتاب (العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية), و(المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر), و( تحفة الفحول في تمهيد الأصول), و(قلادة الشموس في استخراج قواعد الأسوس). وجميعها من اصدارات مجمع اللغة العربية بدمشق. ويعد الملاح الكويتي عيسى بن عبد الوهاب القطامي من الملاحين المجددين. وله دليل ملاحي شامل. يحتوي على أدق تفاصيل المسالك الملاحية, والرصدات الفلكية. هو (دليل المحتار في علم البحار). .
دعوة لإنقاذ الإرث الملاحي العربي
ختاما نقول : إن من تسنح له فرصة التجوال في أركان مكتبات معهد تاريخ العلوم العربية بفرانكفورت. سيطّلع على نسخة من الخارطة, التي رسمها (بيري محيي الدين رايس) للمحيط الأطلسي. وتظهر فيها تفاصيل الخطوط الساحلية للقارة الأمريكية في منتهى الدقة. وقد أعتمد في رسمها على أكثر من تسعين خارطة. رسمها الملاحون المغاربة والأندلسيون. علما أن هذا الرجل كان قائداً للقوة البحرية العثمانية للفترة من 1510 إلى 1515.
وسيندهش المتجول من كثرة المراجع, والمخطوطات, والخرائط. ناهيك عن الآلات الملاحية, والجغرافية, والفلكية. وسيكتشف بنفسه إن الملاحة العالمية الحديثة هي ثمرة إنجازات العرب في المحيط الهندي, والخليج العربي, والبحر الأحمر, والبحر الأبيض المتوسط, والمحيط الأطلسي. وسيرى إن الخرائط الملاحية, التي إعتمدها الأوربيون في عصر الكشوفات الجغرافية ذات منشأ عربي. وإن الملاحين العرب توصلوا لأهم المعارف الرياضية والجغرافية, التي كفلت لهم وضع خرائط بحرية مطابقة للواقع. .
فقد ترك الملاحون العرب ما لا يحصى عدده من الجداول, والقياسات, والسجلات البحرية. وهي بإنتظار من يزيح التراب عنها, ويعيد نشرها بكل اللغات الحية. كونها تمثل إرثاً ملاحياً عظيماً. وأدلة تاريخية دامغة. تشهد للعرب بالتقدم الهائل في العلوم البحرية. وتحكي قصة تفوقهم الملاحي على بقية الأمم. .